كيف أصبحت قطر في قائمة أغنى الدول في العالم

0

حكاية هذه الدولة الصغيرة في مساحتها، وفي عدد سكانها تلفت الانتباه وتعد ظاهرة من الظواهر التي تستحق التأمل والنظر والدراسة، والسؤال هو: كيف بدولة كانت من أفقر دول الخليج، ولا يتعدى عدد مواطنيها الأربعمئة ألف، وتتجاوز المليونين مع المقيمين فيها أن يصبح لها هذا الدور العالمي، وكيف استطاعت عبر سنوات محدودة أن تنتقل من دول خليجية نفطية هامشية إلى دولة من أعنى دول العالم، ويطمح معظم سكان البسيطة إلى الحصول على فرصة عمل فيها.

إن هذه الأسئلة هي ما سنحاول الإجابة عنها في هذا المقال المختص بغنى قطر الذي يثير اهتمام العالم، الغني الذي جعلها تدخل ليس فقط في قائمة الدول الأغنى في العالم، بل أصبح لها دورٌ عالميٌّ في قضايا المنطقة، وقضايا العالم.

لمحة بسيطة عن قطر

دولة قطر يحكمها منذ 1900 أي وقت أن أصبحت محمية بريطانية، وحتى اليوم عائلة آل ثاني، وفي سنة 1913 أصبح عبد الله بن قاسم آل ثاني، حاكمًا لقطر، وكانت هذه القطعة من الأرض علامة للفقر والمرض وانهيار النظام الصحي خاصة بعد انهيار تجارة اللؤلؤ الصناعة الأشهر فيها في ذلك الوقت.

اكتشف النفط في قطر منذ سنة 1939، وتم الاكتشاف في منطقة دخان، ولكن لم يصبح له شأن مهمٌّ حتى عام 1949، وذلك بسبب الحرب العالمية الثانية، ولكن النقلة النوعية في اقتصاد قطر لا ترجع إلى النفط، كما في بقاقي دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية، وإنما ترجع إلى الغاز الذي جعلها في مصاف الدول الغنية.

ولكن مع هذا فإن النفط كان له دور كبير في الإيرادات المالية التي نقلت قطر من دولة فقيرة في كل الميادين إلى دولة بدأت في الخمسينيات ببناء المدارس والمستشفيات، وشق الطرق، ووصل الهواتف، ولكن لم تجعلها الثروة النفطية من أغنى الدول، وإنما أدخلتها في مرحلة الحداثة والتطوير.

بعد سنة 1972 وبعد أن خلع خليفة بن حمد والده، قلص النفقات التي تعطى لعائلة آل ثاني، ونقل هذه النفقات وكرّسها للوضع الاجتماعي، فزاد من بناء المدراس، والمستشفيات، فكان تكريسه للإيرادات يتوجه إلى البرامج الاجتماعية التي تسهم في تطوير قطر، وتجعلها في مصاف الدول الحضارية لمستقلة، وجاءت هذه النهضة  العمرانية بعد حصول قطر على استقلالها سنة 1970 وذلك بعد إعلان بريطانية عن تخليها عن مسؤولياتها في منطقة الخليج، ومنطقة السويس.

وفي هذه المرحلة بدأت الدولة تكتشف حقول الغاز.

حكاية الغاز ودوره في نمو قطر:

اكتشف أول حقل غاز في قطر سنة 1971 شمال قطر، وهذا الحقل، وقد اكتشف قبالة سواحل قطر، ومع أن الاكتشاف كان مبكّرًا إلا أن الدولة وقتها لو توليه أهمية؛ وذلك لأن الطلب كان كثيفا على النفط، وكان إنتاجه في ازدياد في دولة قطر، ويدر إيرادات ممتازة لمعظم دول الخليج ومنها قطر.

وكما يقال ربّ ضارةٍ نافعة ففي سنة 1980 انهارت أسعار النفط، وقلت إيرادتها، مما جعل الحكومة القطرية تبدأ بالتفكير باستثمار حقل الشمال الذي يعد مفتاح الثروة والسلم الذي نقل قطر إلى مصاف الدول الأغنى في العالم.

بدأت قطر باستثمار حقل الشمال في سنة 1988، ولكن كان الاستثمار بطيئا، فلم يكن الإنتاج كثيفا ولم تصبح إيرادات الغاز بالمستوى الذي يعد منافسا للنفط، ولكن الأمر تغير مع تولي حمد بن خليفة الحكم بعد عزله لوالده وذلك سنة 1995.

لم يكن الإنتاج هو الحل وحسب، بل إن نقل الغاز هو الذي سيمثل تغيرا في خارطة قطر الاقتصادية، فبعد أن ركز وأكد حمد بن خليفة أهمية تنمية إنتاج حقل قبة الشمال، وتكثيف الإنتاج، وجد أمام قطر معوّقٌ يتعلق في كيفية نقل الغاز إلى العالم، وخاصة مع الخلافات التي كانت وقتها معالسهودية.

هذه الخلافات حدت بالدولة إلى التفكير في طريقة تتيح نقل الغاز بالبواخر عبر البحار، وعدم التقيد بالأنانبيب، وهنا بدأت ما يطلق عليها الاقتصاديون مرحلة ثورة الغاز القطرية، حيث استدعت قطر العديد من الخبراء ونقلت الغاز إلى ما بات يعرف عربيا بالغاز المسال، وبعد أن دخلت قطر خط الغاز المسال بدأت النقلة الاقتصادية النوعية لقطر.

وبدأت الثورة الاقتصادية ببناء العديد من المصانع للغاز الطبيعي المسال، وذلك بالتعاون مع شركات النفط العالمية، رغبة منها في زيادة الإنتاج، والقدرة على تلبية الطلبات، واستطاعت قطر أن تبني خلال 15 سنة بناء 14 مصنعا مختصا بإنتاج الغاز الطبيعي المسال وذلك بالتعاون مع الشكرات العالمية المختصة بهذ الميدان.

متى بدأت قطر بتصدير الغاز؟

بدأت قطر بعقد العديد الاتفاقات طويلة الأمد مع عدد من الدول لتزويدها بمادة الغاز، وكانت البداية مع كل من اليابان وإسبانيا، وذلك سنة 1997، ثم توسعت ونوّعت زبائنها وصارت تصدر للعديد من الدول. ومع مرور الزمن لم تبق قطر مجرّد مصدر عادي للغاز الطبيعي المسال، بل تصدرت قائمة الدول الأكثر احتياطا وإنتاجا للغاز الطبيعي المسال، فقد قدر احتياطي حقل الشمال بأكثر من 900 ترليون متر مكعب من الغاز. وبعد هذه الثورة والاتجاه نحو تنمية إنتاج وتصدير الغاز المرافق للنفط، استطاعت قطر بوقت وجيز بناء صندوق سيادي قدر ب 170 مليار دولار.

تنويع مصادر الدخل:

فطنت قطر منذ بداية نهضتها المالية إلى أن هذه الثروات الباطنية لا يصح أن تكون وتبقى المعتمد الأساسي في بناء الثروة المالية ولذلك وفي سنة 2003 أنشأت جهاز قطر للاستثمار وكان الهدف منها أن تقوم الدولة بتنويع مصادر دخلها وذلك من خلال تدوير الواردات من النفط والغاز على قطاعات ومشاريع تستثمر وتكون مصدرا إضافيّا للثروة.

دخلت قطر في العديد من الشراكات واشترت الكثير من الأسهم في العديد من البنوك والأسواق العالمية ولم تحصر نفسها في مجال معين دون غيره، فدخلت باستثمارات كبيرة في بنك باركليس، واشترت حصة في شركة بورش وفولكس فاجن لصناعة السيارات، واشترت أغلبية أسهم باريس سانجيرمان

وهي الآن تملك العديد من العقارات في لندن وتقع على رأس مالكي العقار فيها، ويضاف إلى ذلك تملكها للعديد من ناطحات السحاب في أوربة الغربية.

كما دخلت فطر في سوق الخدمات المالية وذلك بإنشائها عام 2005 المركز المالي القطري، وهي تهدف بحسب المحللين الاقتصاديين إلى أن تكون المركز المالي لدول الخليج.

كما أن قطر دخلت في مجال الاستثمار في ميدان القوة الناعمة، فأسست مراكز إعلامية كبرى وعلى رأسها مؤسسة الجزيرة التي تعد الآن من أشهر شبكات الإعلام عالميا، حيث أسهمت هذه الشبكة في التعريف بدولة قطر.

وتبع هذه المؤسسة الإعلامية مؤسسة بي إن سبورت المختصة بالرياضة والمحتكرة لبثوث البطولات الدولية، وأصبحت هذه المؤسسة ليست مجرد أداة عرض وتعريف بل مصدرا من مصادر الثروة التي تدر دخلا إضافيا وذلك من خلال شراء القنوات العالمية لحقوق بث المباريات العالمية من بي إن سبورت.

هذه الثروات المالية قلبت وجه الدوحة رأسا على عقب فمن مدينة تحتوي على الشيراتون كأشهر مبنى يظهر في  صور السبعينيات، إلى مدينة تضج بالحركة والحيوية وتبني فيها العديد من ناطحات السحاب، والفنادق، والملاعب، وأماكن الترفيه، وأصبحت مقصدا للعديد من الراغبين في تحسين أوضاعهم المادي، بعد أن أصبحت الدولة الأغنى في العالم، وما زالت تتجه إلى مجالات جديدة في الاستثمار، كان آخرها الشروع بمصانع لإنتاج المواد الغذائية التي كانت تستوردها من الخارج.

حاولنا في هذا المقال تسليط الضوء وكشف نقاط سبب غنى قطر وكيف تحولت من الأفقر خليجيًّا إلى الأغنى في العالم.

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد